فصل: باب الوكالة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة (نسخة منقحة)



.باب الوكالة:

بفتح الواو وكسرها بمعنى التفويض يقال: وكله بأمر كذا فوض إليه فيه وتقع بمعنى الحفظ والرعاية ومنه قوله تعالى: {ألا تتخذوا من دوني وكيلاً} (الإسراء: 2) قيل: حفيظاً، وقيل كفيلاً، وقيل ضامناً كما في ضيح (وما يتعلق بها) من تداعي الوكيل والموكل وانعزاله بالموت ونحو ذلك. وشرعاً قال ابن عرفة: نيابة ذي حق غير ذي إمرة ولا عبادة لغيره فيه غير مشروطة بموته، فتخرج نيابة إمام الطاعة أميراً أو قاضياً أو صاحب صلاة والوصية. اهـ. فخرجت نيابة إمام الطاعة أميراً أو قاضياً بقوله: غير ذي إمرة وخرج بقوله: ولا عبادة إمامة الصلاة وبقوله غير مشروطة إلخ. الوصية لأن الوصي لا يقال فيه وكيل عرفاً، ولذا فرقوا بين فلان وكيلي ووصيي وقوله لغيره: يتعلق بنيابة وكذا قوله فيه وضميره يعود على حق، لكن إن جعل غير الأول صفة لذي الأولى بطل جميعه في الإمام يوكل في حق نفسه من نكاح ونحوه، وإن جعلته صفة لحق لم يصح إلا على ضرب من المجاز وهو مجتنب في الحدود، فالأولى إسقاط ذي الثانية. وكيفية وثيقتها إن كان مفوضة وكل فلان فلاناً توكيلاً مفوضاً مطلقاً ويكفيه ذلك كما يأتي عند قوله وحيثما التوكيل بالإطلاق إلخ. وإن كانت مخصوصة قلت: وكّل فلان فلاناً على بيع دوابه أو شراء سلعة كذا، ونحو ذلك. ويتعين أن يبيع بثمن المثل وأن يشتري له ما يليق به كما يأتي عند قوله: وليس يمضي غير ما فيه نظر إلخ. وإن كانت مخصوصة بالخصام قلت: وكّله على طلب حقوقه واستخراج منافعه أينما كانت أو من فلان وقبض ما يجب له قبضه جاعلاً له فيه الإقرار والإنكار، وأخذ الضمان والرهان وتقاضي الأيمان وقبلها والصلح وأخذ النسخ وإعطائها وضرب الآجال والتزامها توكيلاً تاماً وقبض الوكيل ذلك شهد عليهما من أشهداه بما فيه وهما بأتمه وعرفهما، وفي كذا فإن سقط القبول فلا يضر إن قام بالوكالة داخل ستة أشهر كما يأتي عند قوله: والزوج للزوجة كالموكل إلخ. كما لا يضر أيضاً سقوط معرفة القدر، ولذلك لم نذكره وإن سقط الإقرار والإنكار جرى على ما يأتي للناظم في قوله: والنقص للإقرار والإنكار إلخ. وإن سقط ذكر القبض أو الصلح أو أخذ الضمان والرهان أو تقاضى الأيمان لم يضر ذلك. ولكن لا يتولى القبض ولا يمضي صلحه إلا على ما يأتي عند قوله: وحيثما التوكيل بالإطلاق إلخ. ولا تحليفه إلا على ما يأتي أيضاً عند قوله: والنقص للإقرار إلخ. وإن سقط الإشهاد ففي ابن سلمون إذا شهد شاهدان بمعرفة الوكالة ولم يبينا في شهادتهما أن الموكل أشهدهما بها فشهادتهما ساقطة ونحوه في البرزلي عن ابن الحاج، وتقدم نحو ذلك في الضمان عند قوله: ولا اعتبار إلخ.
يَجُوزُ تَوْكِيلٌ لِمَنْ تَصَرَّفَا ** في مَالِهِ لِمَنْ بِذَاكَ اتَّصَفا

(يجوز توكيل) فعل وفاعل (لمن) يتعلق بيجوز لا بتوكيل ومتعلق توكيل محذوف أي في كل ما يقبل النيابة (تصرفا) صلته (في ماله) يتعلق به، ويريد أن من جاز له التصرف في ماله بمعاوضة مالية جاز له أن يوكل في قابل النيابة فتدخل الزوجة والمريض إذ كلاهما له التصرف، ولو في زائد الثلث بالمعاوضة ويخرج المحجور عليه فليس له أن يوكل لأنه ليس له التصرف بما ذكر اتفاقاً كما في (ح) قال: إلا ما يفهم من مسألة العتق وهي أن يعطي العبد مالاً لمن يشتريه لنفسه من سيده، وأصله لابن عرفة، لكن ظاهر النظم بحسب مفهومه أن المحجور لا يوكل ولو في طلب حقوقه وهو الذي يقتضيه ابن شاس وابن الحاجب ومن تبعهما، والذي به العمل كما في المتيطية والمعيار أن له أن يوكل على طلب حقوقه والخصومة فيها حضر وصيه أو غاب، كما له أن يطلبها بنفسه كذلك إلا أنهم قالوا لا يقبض المال إذا تعين وبهذا أفتى الغبريني وعليه درج ناظم العمل حيث قال:
وطلب الحق لتوكيل لمن ** حضر أو غاب وصيه قمن

فيقيد مفهوم الناظم ما على ما به العمل بالمعاوضة كما قررنا فلا يشمل طلب الحقوق كما هو ظاهره، وظاهر كلامهم أن له أن يوكل على طلب حقوقه ولو وكل عليها محجوراً أيضاً. وقولنا في قابل النيابة احترازاً مما لا يقبلها كاليمين والمعصية كالظهار ونحوه، واختلف في الوكالة على القيام بالوظائف كالإمامة والقراءة والأذان فاختار القرافي عدم جوازها لغير عذر. قال: ولا يستحق النائب ولا المنوب عنه شيئاً، واختار اللقاني والأجهوري جوازها وارتضاه الملوي وألف في ذلك. (لمن) يتعلق بتوكيل (بذاك) يتعلق بقوله (اتصفا) والجملة صلة والإشارة ترجع للتصرف في المال أي كما اشترط في الموكل أن يكون ممن يصح تصرفه كذلك يشترط في الوكيل أيضاً أن يكون ممن يصح تصرفه، فلا يجوز أن يكون الوكيل محجوراً عليه لأنه تضييع للمال، وقد نهى عنه قاله اللخمي، وابن شاس ومن تبعهما، ابن عرفة: وعليه عمل بلدنا وظاهر كتاب المديان من المدونة، وصرح به في العتبية أن المحجور يجوز كونه وكيلاً عن غيره. ابن رشد: وذلك مما لا خلاف فيه لأن للرجل أن يوكل من رضي توكيله من رشيد أو سفيه ويلزمه من فعل السفيه ما يلزمه من فعل الرشيد وعلى طريقة ابن رشد هذه درج ناظم عمل فاس حيث قال:
وجوزوا التوكيل للمحجور ** عليه والإيصاء في الأمور

قال شارحه: يريد أن الإنسان يجوز له أن يوكل سفيهاً محجوراً عليه في خصومة أو تصرف في مال، وأو يوصى إليه بتنفيذ وصية لا بالنظر في مال الولد. اهـ. لكن ينبغي أن يقيد الخلاف بما إذا لم يفوض إليه وإلاَّ فيمنع لظهور التضييع حينئذ ويقيد جواز كونه وكيلاً أيضاً بما إذا كان الموكل رشيداً عالماً بحجره كما في حاشية ابن رحال هنا، وهو ما أفتى به أبو إبراهيم إسحاق بن إبراهيم وسيأتي ذلك عند قوله: ومن على قبض صبياً قدما إلخ.
تنبيهات:
الأول: هذا كله في الحقوق المالية، وأما الحقوق البدنية كضرر زوج وقيام بعيب الزوج ونحوه فللمحجور أن يوكل من يخاصم عنه فيها قطعاً ولا قيام فيها لوليه إلا بتوكيله كما للمتيطي وغيره قال الغرناطي في وثائقه: والمحجور لا يوكل إلا فيما هو من ضرر البدن وفي الشروط المشترطة له وفي طلب النفقة والكسوة أي من وليه، فلو كانت المحجورة متزوجة وطلبت من وليها أن يسكن زوجها بها في دارها وأن تنفق على نفسها من مالها لرغبتها في الزوج ومخافة طلاقه فإنها تجاب، ولا مقال لوليها. وانظر الحجر من البرزلي وسيأتي إن شاء الله في بيع الفضولي.
الثاني: إذا وكل المحجور وليه فبمجرد قبول الولي لتوكيله يصير المحجور رشيداً ولا يصدق الولي في أنه لم يخرجه من الحجر قاله في الكراس الثاني من أنكحة المعيار قال: ونزلت فحكم فيها بذلك.
الثالث: تقدم أنه لابد أن يضمن الموثق في رسم الوكالة أن الموكل أشهدهما بها فإن لم يبينا أن الموكل أشهدهما بها فشهادتهما باطلة لا يعمل بها. قاله ابن الحاج ونقله ابن سلمون في فصل بيع الوكيل ونقله (ح) أيضاً مسلماً.
وَمُنِعَ التَّوْكِيلُ لِلذَّمِّيِّ ** وَلَيْسَ إنْ وُكّلَ بِالْمَرْضِيِّ

(ومُنِعَ) فعل وفاعل.
(التوكيل) مفعول به (للذمي) يتعلق بما قبله يليه أي ومنع العلماء رضي الله عنهم أن يوكل المسلم الذمي لأنه لا يتقي الحرام في بياعاته وسائر معاملاته وظاهره ولو قارضه لأن القراض توكيل وفي ذلك نزاع، وكذا مشاركته إذ كل من الشريكين وكيل عن الآخر إلا أن لا يغيب عنه وظاهره منع توكيله، ولو في خصومة عنه وظاهره أيضاً منعه في كل شيء وليس كذلك، بل توكيله على قبول نكاح أو دفع هبة ونحو ذلك لا يمنع وكذا مساقاته إن كان لا يعصر حصته خمراً وبمنزلة الذمي من ظهر منه عند القاضي لدد وتشغيب في الخصومات فيمنع ولا يقبله القاضي وكيلاً، إذ لا يحل له إدخال اللدد على المسلمين قاله ابن فرحون. والمراد بالذمي الكافر فيشمل المؤمن وعبده النصراني ونحوهما (خ) ومنع ذمي في بيع أو شراء أو تقاض وعدوّ على عدوه (وليس) فعل ناقص (أن وكَّل) بفتح الهمزة والكاف المشددة في تأويل مصدر اسمها، وفاعل وكَّل ضمير يعود على الذمي ومفعوله محذوف أي وليس توكيل الذمي المسلم (بالمرضي) خبر ليس جر بالباء الزائدة قال الشعباني: الوكالات أمانات فينبغي لأولي الأمانات أن لا يتوكلوا لأولي الخيانات، وعن مالك: كفى بالمرء خيانة أن يكون أميناً للخونة. اهـ. والتعبير بينبغي يقتضي الكراهة وهو ظاهر النظم، وبها صرح غير واحد وسواء كان توكيل الذمي للمسلم بأجرة أم لا. وكله في خصومة أو بيع أو شراء، وهذا ما لم يكن المسلم تحت يد الذمي كأجير الخدمة وإلاَّ فيمنع انظر ضيح.
وَمَنْ عَلَى قَبْضٍ صَبِيّاً قَدَّمَا ** فَقَبْضُهُ بَرَاءةٌ لِلْغُرَمَا

(ومن) اسم شرط (على قبض) يتعلق بقدما (صبياً) مفعول (قدما) بفتح الدال المشددة مبني للفاعل وضميره المستتر يعود على من وألفه للإطلاق (فقبضه) مبتدأ (براءة) خبره (للغرما) يتعلق به، والجملة في محل جزم جواب الشرط، ويجوز أن تكون من موصولة ودخلت الفاء في خبرها لشبه الموصول بالشرط في العموم والإبهام، ومعناه أن من قدم صبياً على قبض دين ونحوه من وديعة وعارية وغير ذلك من الحقوق فإن الدافع يبرأ من ذلك أن ثبت الدفع ببينة لأنه قد رضي به ونزله منزلته وسواء أوصله الصبي لربه أو أتلفه ولا ضمان عليه ولو ثبت تعديه عليه، فإن لم يثبت الدفع فلا يبرأ. ولو أقر الصبي لقول (خ) وإن قال أي الوكيل غير المفوض قبضت وتلف برئ وإن لم يبرأ الغريم إلا ببينة ولا مفهوم للصبي بل البالغ المحجور كذلك، وإنما خصص الصبي بالذكر ليفهم غيره بالأحرى ولا مفهوم لقبض بل لو وكله على البيع أو الشراء أو نحو ذلك لكان فعله ماضياً ويبرأ المشتري بدفع الثمن إليه لأن من وكل على بيع شيء فهو موكل على قبض ثمنه إلا أن يشترط عليه أن لا يقبضه إلا بتوكيله على القبض، نص عليه ابن الحاج كما في ابن عرفة وابن سلمون وغيرهما. وتوكيله على البيع نص عليه أبو إبراهيم إسحاق بن إبراهيم كما في وصايا المعيار. وقيده بما إذا كان الموكل له رشيداً عالماً بحجره، واعتمد ابن رحال قيده المذكور كما مر قريباً.
قلت: أما التقييد بكون الموكل رشيداً فظاهر لما مرّ من أن المحجور لا يوكل على ما فيه معاوضة ولا يقبض حقوقه الواجبة له، وإذا لم يقبضها بنفسه فكذلك بوكيله وإلا بطلت فائدة الحجر فيقيد النظم بهذا القيد، ولا يبرأ الغريم بالدفع إليه حينئذ، وأما التقييد بكونه عالماً بحجره فلا تظهر له ثمرة لأن تصرفه بالبيع والقبض ونحوهما لا يرد لدعوى الموكل عدم العلم بحجره ولا يوجب تضمين المحجور أو الغريم كما لا يخفى، بل لو ثبت عدم علمه حين التوكيل لم يرد تصرفه لتعلق حق الدافع والمشتري بذلك والتفريط إنما جاء من قبله حيث لم يتثبت. ولا يقال ثمرته تظهر في تصرفه بعدم المصلحة. لأنا نقول الوكيل من حيث هو رشيد أو محجور علم الموكل بحجره أم لا معزول عن غير المصلحة، فلا فرق في هذا بين المحجور وغيره كما يأتي في قوله: وليس يمضي غير ما فيه نظر إلخ. والله أعلم. وهنا تم الكلام على الموكل والوكيل اللذين هما الركنان الأولان من أركان الوكالة، وسيأتي الركن الثالث والرابع اللذان هما الموكل فيه والصيغة عند قوله، وحيثما التوكيل الخ وعند قوله: والزوج للزوجة كالموكل إلخ.
تنبيه:
ما ذكره ابن الحاج وتبعه الناظم ظاهر في جواز توكيل المحجور كما في البرزلي، وهي طريقة ابن رشد كما مرّ فدرج الناظم أولاً على طريقة اللخمي وهنا على طريقة ابن رشد، فلو قال إثر قوله: لمن بذاك اتصفا ما نصه:
وقيل في المحجور ذي التقديم ** في قبضه براءة الغريم

لكفاه في الإشارة لطريقة ابن رشد وسلم من التناقض في الكلام والجواب عنه بكون ما هنا فيما بعد الوقوع وما مر في الجواز ابتداء غير ظاهر لأن ظاهر كلام اللخمي ومن وافقه أن وكالة المحجور لا تنعقد لأن الأصل فيما لا يجوز عدم الانعقاد، وإذا لم تنعقد فلا تترتب عليها الآثار من لزوم تصرفاته للموكل، وما ذاك إلا لكون توكيله بمنزلة التوكيل على غير النظر فهو كالتوكيل على المعصية لأن الغالب أن المحجور لا يتصرف إلا بغير النظر، ولذا قال ابن عرفة: أصل المذهب منع التوكيل على غير وجه النظر قال: ويأتي نقل اللخمي عن المذهب منع توكيل السفيه. اهـ. وقد عللوا عدم الجواز بأن وكالته تضييع للمال وعليه فلا يلزمه بيعه، ولو وافق السداد ولا يبرأ الغريم بالدفع إليه وهو ظاهر إن لم يعلم الموكل بحاله وعلم الغريم بحجره ولو جهل انعقاد وكالته لأن الجهل في الأحكام لا يفيد، وأما إن لم يعلم بحجره فالظاهر البراءة لا من جهة صحة وكالته، بل لأن الموكل إن علم به فهو المسلط له على إتلاف ماله وإن لم يعلم فالتفريط جاء من قبله فليس تضمين الغريم بأولى من تضمينه. هكذا ينبغي تفصيل هذه الطريقة وما في (ح) عند قوله: إلا أن يقول وغير نظر مما يقتضي خلاف التفصيل المذكور غير ظاهر فتأمله والله أعلم.
وَجَازَ لِلْمطْلُوبِ أنْ يُوَكِّلاَ ** وَمَنْعُ سَحْنُونٍ لَه قَدْ نُقِل

(وجاز للمطلوب) يتعلق بجاز (أن يوكلا) في تأويل مصدر فاعله (ومنع) مبتدأ (سحنون) مضاف إليه (له) يتعلق بالمبتدأ وضميره للمطلوب بتقدير مضاف أي لتوكيله، ويحتمل أن يعود على المصدر المؤول أي ومنع التوكيل جملة (قد نقلا) بالبناء للمفعول ونائبه يعود على المبتدأ، والجملة خبره ومعناه أن المطلوب يجوز له أن يوكل من يخاصم عنه على المشهور المعمول به، كما يجوز ذلك للطالب. ونقل عن سحنون أنه كان لا يقبل من المطلوب وكيلاً إلا أن يكون امرأة لا يخرج مثلها أو مريضاً أو مريداً سفراً أو كان في شغل الأمير أو على خطة لا يستطيع مفارقتها ونحو ذلك من الأعذار، ولما قيل له لأي شيء تفعل هذا ومالك يقبل الوكيل مطلقاً؟ قال: قال عمر بن عبد العزيز: تحدث للناس أقضية إلخ. ووقع له أيضاً في رسالة لقاضي القضاة بقرطبة المنع من التوكيل جملة طالباً أو مطلوباً. ابن عرفة: وفي جوازها لغير عذر. ثالثها: للطالب لا للمطلوب للمعروف مع قول المتيطي هو الذي عليه العمل، ونقله عن سحنون وفعله. اهـ. فقول الناظم: ومنع سحنون الخ يحتمل أن يكون أشار به لقوله الأول أو الثاني.
وَحَيْثُمَا التَّوْكِيلُ بِالإِطْلاَقِ ** فَذلِكَ التَّفْوِيضُ بِاتِّفَاقِ

(وحيثما) اسم شرط (التوكيل) فاعل بفعل مقدر تقديره وقع (بالإطلاق) في محل الحال منه (فذلك) مبتدأ (التفويض) خبر والجملة جواب الشرط والفاء رابطة بينهما (باتفاق) في محل الحال من التفويض، ومعناه أن التوكيل إذا وقع مطلقاً ولم يقيد بالتفويض ولا بأمر مخصوص كقوله: وكلتك أو أنت وكيلي فإن ذلك هو التفويض باتفاق فيعم جميع الأشياء، وأحرى إذا نص على التعميم كقوله: وكلتك على جميع أموري أو أقمتك مقامي في جميع الأمور، ولم أستثن عليك فصلاً من الفصول فيمضي فعله في كل شيء وإن كان نظراً إلا في طلاق زوجته وإنكاح بكره وبيع دار سكناه أو عبده إلا أن يقول: وكلتك بما إلي من تطليق نسائي وعتق عبيدي وبيع أملاكي فيمضي فعله في الجميع فإن نص على التخصيص كقوله: وكلتك على قبض ديني أو على بيع ثوبي أو على فلان أو بمخاصمة خصمائي فهي وكالة خاصة بالخصام، وقبض الدين والبيع من فلان. ابن فرحون: الوكالة على طلب الآبق لا تشمل الخصومة فيه. اهـ. وما ذكره الناظم من أنه إذا لم يقيد بتعميم ولا بتخصيص يكون تفويضاً باتفاق هو طريقة ابن رشد، وطريقة ابن بشير وابن شاس وابن الحاجب أن الإطلاق لا يصح به توكيل، بل حتى ينص على التعميم أو التخصيص وعليها درج (خ) إذ قال: صحت الوكالة بما يدل عرفاً لا بمجرد وكلتك، بل حتى يفوض أو يعين بنص أو قرينة وتخصص وتقيد بالعرف فلا يعده إلخ. فلو قال له: اشتر لي عبداً فإنه يتقيد بما يليق به، وكذا لو قال له: بع دوابي وكان العرف يقتضي تخصيص بعض أنواعها فإنه يتخصص به، ولو قال: بع بما باع به فلان فرسه فالعمل بما باع به فلان مشترط في حق الوكيل لا في حق الموكل.
قلت: ويمكن تمشية الناظم على هذه الطريقة بحمل الإطلاق في كلامه على أنه نص له عليه أو على مرادفه كقوله: وكلتك وكالة مطلقة أو مفوضة أو غير مقيدة بشيء دون شيء أو بما إلي من قليل أو كثير أو على جميع الأمور ونحو ذلك مما فيه التنصيص على إطلاق يده في التصرف ومراده بالاتفاق اتفاق أهل هذه الطريقة، وهذا أولى وأقرب من تمشيته على الطريقة الضعيفة. المتيطي: إن لم يسم شيئاً بل قال: وكلته وكالة مفوضة جاز فعله عليه في كل شيء من البيع والصلح وغيرهما، وإن قال: وكلته وكالة مفوضة جامعة لجميع وجوه التوكيل ومعانيه كان أبين. اهـ. ابن شاس. يشترط فيما فيه التوكيل أن يكون معلوماً في الجملة ويستوي كونه منصوصاً عليه أو داخلاً تحت عموم اللفظ أو معلوماً بالقرائن أو بالعادة. اهـ. ابن عرفة: شرط صحة الوكالة علم متعلقها خاصاً أو عاماً إلخ. قال وقول ابن شاس بالعادة هو كقولها في ذبح الولد أضحية أبيه وإنكاحه أخته حسبما ذكره في الأضحية والنكاح فتأمل قوله: أو داخلاً تحت عموم إلخ.
قلت: ومن العادة قول الناظم الآتي: وغائب ينوب في القيام إلخ. وقوله: والزوج للزوجة كالموكل إلخ. وهذا إذا لم يقع التعميم إثر تخصيص، وإلاَّ ففي البرزلي عن ابن عتاب الذي جرى به العمل وأفتى به الشيوخ: أنه متى انعقد في وثيقة التوكيل تسمية شيء، ثم ذكر بعد ذلك التفويض أنه إنما يرجع لما سمى وإن لم يسم شيئاً، وذكر التفويض التام فهو عام في الجميع. اهـ. ونحوه لابن رشد كما في ابن عرفة وهو المشار له بقول اللامية: وإن وقع التفويض إثر مقيد الخ وأما عكسه وهو أن يفوض ويعمم أولاً ثم يسمي بعض ما يدخل تحت ذلك اللفظ ويسكت عن الباقي. فقال البرزلي أيضاً: يجري على الخلاف الآتي في الهبة إذا قال: وهبت لولدي وسمى البعض وسكت عن البعض الآخر، وأحفظ عن الطرر وعن بعض الأندلسيين دخول المسكوت عنه، وأحفظ في بعض الروايات في الوكالات أنها تختص بما ذكر خاصة.
قلت: أفتى أبو الحسن في نوازله فيمن حبس على ولده جميع أملاكه، وذكر بعض الأملاك وترك البعض الآخر أنه يدخل الجميع قال: لأن المخصوص داخل بلفظ الخصوص والعموم والمتروك داخل بلفظ العموم فقط، فهو كمن باع جميع أملاكه وسمى بعضها وترك البعض الآخر فيلزمه البيع في الجميع على الراجح، انظر ابن هلال وشراح المتن في التناول، وهذا أنسب بمسألة الوكالة المذكورة فيترجح فيها العموم إن كان يعلم بما لم يسمه، وأما من قال: وهبت لولدي أو أوصى عليه وسمى البعض دون البعض، فاختار ابن رشد فيها عدم العموم قائلاً لأن لفظ ولدي يقع على الواحد والجمع فلا يدخل إلا ما سماه وإن كان ناظم العمل درج في الوصية على التعميم حيث قال:
ومن على أولاده أوصى وما ** سمى سوى البعض فذاك علما

تنبيهان:
الأول: معنى كون التفويض راجعاً للمقيد أنه تفويض في أحوال ذلك الخاص من كونه جعل له فعل ذلك في أي زمان وفي أي الأسواق والأمكنة شاء وأن يتحاكم في الخصومة عند أي قاض شاء أو يبيع ممن شاء ونحو ذلك. هكذا في ابن عرفة عن ابن عبد السلام، بل وقع في السماع فيمن وكلت رجلاً على خصومة في قرية وأنها فوضت إليه وأمره جائز فيما يصنع ولم تذكر بيعاً ولا صلحاً فباع الوكيل القرية بعد أن صالح فيها أن الصلح لازم لها دون البيع. ابن رشد: الأصل أن الوكيل لا يتعدى ما سمى له، وإنما أجاز في هذا السماع صلحه لقول موكلته فوضت إليه في الخصومة وجعلت أمره جائزاً فيما يصنع فلم يخالف قول أصبغ ليس لوكيل الخصومة صلح أي لأنه لم يذكر له فيها تفويضاً ولا قول. عيسى: من وكل على قبض ديونه وفوض إليه النظر فيها لا يجوز صلحه لإمكان تفويض صرف النظر في قول عيسى لتعجيل ما يقتضي النظر تعجيله وتأخير ما يقتضي النظر تأخيره. اهـ.
قلت: وانظر على ما في السماع إذا قال: وكلته على الخصام توكيلاً مفوضاً هل يشمل توكيله الإقرار والإنكار لأنهما من عوارض الخصام فيرجع لهما لتفويض أشد من رجوعه للصلح فتأمله. والله أعلم. قال فضل: ومن وكل وكالة مفوضة فيجوز صلحه إذا كان نظراً وأما من وكل على تقاضي دين أو خصومة أو أمر معين وفوض إليه النظر فلا يجوز صلحه وإن كان نظراً حتى ينص له على ذلك قال: وقاله جميع أصحابنا. واقتصر عليه في المتيطية والفشتالية وابن رحال وظاهرهم أنه المعتمد دون ما تقدم عن السماع فتأمله وهو ظاهر قول اللامية:
وكل وكيل فامنعن صلحه سوى ** وكيل بتفويض يصادف منهلا

فمراده بوكيل التفويض الوكيل المفوض إليه في جميع الأمور لأنه إذا أطلق إنما ينصرف إليه لا الوكيل المخصوص المتقدم في السماع كما قرره به بعض شراحها، وبالجملة فما لفضل وصاحب اللامية هو الذي تقدم عن ابن عتاب أن به العمل وما وفق به ابن رشد بين كلام الأئمة يظهر من المتيطي وغيره أنه مقابل فتأمله.
الثاني: قال في كتاب الغرر من المدونة: وأما الدور والأرضون والعقار فالنقد فيها جائز بشرط قربت الغيبة أو بعدت قالوا: يحتمل أن يكون عطف العقار على ما قبله من عطف العام على الخاص، ويحتمل أن يكون من عطف المغاير وأن المراد به البساتين فيؤخذ منه أن من وكل على بيع عقار أن الدور لا تدخل في الوكالة ونزلت في الأندلس، وحكم فيها بعدم الدخول حتى ينص على الدور قاله البرزلي. ابن شاس: ومخصصات الموكل معتبرة فلو قال: بع من زيد لم يبع من غيره وإن عين زمناً أو سوقاً تتفاوت الأغراض في كل منهما وجب اتباعه. ابن عرفة: وفي كتاب القراض ومنه تأخير بيع سلعه لما يرجى له سوق أي فإن باع قبله ضمن ولو وكله على شراء سلعة فلان بخصوصه بها فاشتراها فتبين أنها لغيره أدخلها في سلع فلان المذكور، فذلك عيب يوجب للموكل القيام بنقض البيع قاله المازري.
وَلَيْسَ يَمْضِي غَيْرُ مَا فِيهِ نَظَرْ ** إلاَّ بِنَصَ فِي الْعُمُومِ مُعْتَبَرْ

(وليس) فعل ناقص (يمضي) مضارع مضى الثلاثي خبرها مقدم (غير) اسمها مؤخر (ما) موصول مضاف إليه (فيه) خبر عن قوله (نظر) والجملة صلة ما (إلا) استثناء (بنص) يتعلق بيمضي أي لا يمضي غير النظر بسبب من الأسباب أو بشيء من الأشياء إلا بنص (في العموم) يتعلق بقوله (معتبر) الذي هو صفة لنص، والتقدير لا يمضي غير النظر من المفوض إليه وأحرى المخصوص إلا بنص معتبر في العموم كأن يقول وكلتك على النظر وغير النظر فيمضي حينئذ غير النظر (خ) فيمضي النظر إلا أن يقول وغير نظر إلا الطلاق إلخ. وما ذكره من أنه يمضي غير النظر إذا نص له عليه نحوه لابن بشير وابن شاس وابن الحاجب واعترضه ابن عرفة وكذا (خ) في ضيح قائلاً: فيه نظر إذ لا يأذن الشرع في السفه فينبغي أن يضمن الوكيل إذ لا يحل لهما ذلك. اهـ. فقوله ينبغي الخ ظاهر إذا كان الوكيل رشيداً لأنه إذا باع ما يساوي مائة بخمسين مثلاً وتعذر رده صار بمنزلة المودع عنده يحرق الوديعة بإذن ربها فإنه يضمنها وبه تعلم أن قياس (خ) عدم الضمان على نفي القود غير ظاهر إذ لا يلزم من نفي القود في قطع اليد بإذن ربها عدم الغرم في المال لأن القود عين والحدود تدرأ بالشبهات بخلاف الغرم انظر عند قول (خ) في الدماء، ولو قال: إن قتلتني أبرأتك وانظر ما مر عند قوله: ومن على قبض صبياً قدما إلخ. وشمل قوله غير ما فيه نظر ما فيه مفسدة راجحة أو مرجوحة أو مساوية وما لا مصلحة فيه ولا مفسدة، لأن هذه الأقسام ليست من باب ما هو أحسن قاله في أوائل أحباس المعيار. قال: والوصي في ذلك كالوكيل ابن عرفة: وظاهر قول أبي عمران إن قدر الغبن في بيع الوصي والوكيل ما نقص عن القيمة نقصاً بيناً وإن لم يبلغ الثلث وهو صواب لأنه مقتضى الروايات في المدونة وغيرها إذا باع الوكيل أو ابتاع بما لا يشبه من الثمن لم يلزمك. اهـ. أي: ولو التزم له إتمام النقص ونقله (ح) عند قول المتن ولا بغبن ولو خالف العادة إلخ. وما ذكره عن المدونة وهو قول (خ) في الوكالة وتعين في المطلق نقد البلد ولائق به وثمن المثل والأخير، وقال أيضاً في الإجارة عاطفاً على ما لا يمضي: وكراء وكيل بمحاباة أو بعرض إلخ. وقوله خبر أي في إمضاء فعله أو نقضه وأخذ سلعته إن كانت قائمة فإن فاتت خير في الإمضاء أو تضمينه القيمة.
تنبيهات:
الأول: يمكن أن يكون المراد بغير النظر الذي يمضي بالنص عليه على ما في النظم ومن معه هو ما لا تنمية للمال فيه كعتق وهبة وصدقة أريد بها ثواب الآخرة، لأن فيها مصلحة في نفس الأمر وإن كانت لا تنمية فيها، أو المراد به ما ليس نظر عند الناس، وهو عبد الوكيل نظر كشراء جارية رخيصة لا تليق بالموكل أو يشتري بأزيد من القيمة لسهول العهدة في ذلك البائع أو يبيع بأنقص كذلك أيضاً فيسقط الاعتراض حينئذ عن الناظم ومن وافقه.
الثاني: قال ابن بشير: إن قال له بع بعشرة فباع باثني عشر أو بع بالدين بعشرة فباع بها نقداً. فقولان مبنيان على الخلاف في شرط ما لا يفيد هل يوفي به أم لا؟ ابن عرفة: والأظهر إن كان ذلك من بيع ما فيه شفعة أن يكون للآمر مقال لجواز تعلق قصده بشركة الشفيع دون غيره. اهـ. ولو قال له بعها بعشرة بالنقد فباعها إلى أجل لعدم وجود من يشتريها في ذلك البلد الذي سافر إليه بالنقد لزمته القيمة كما في البرزلي عن ابن رشد ابن عرفة: ولو قال له بعها بعشرة نقداً فباعها بذلك وقيمتها أكثر فلا مقال للآمر، ثم قال أيضاً: وإن قال بعها بثمن إلى أجل فباعها به نقداً، وقيمة السلعة أكثر من ذلك غرم الوكيل القيمة إذ لا ينظر لما سمي بل إلى القيمة لأنه يقول: إنما سميت العشرة خوف بيعها بأقل منها قال: واختلف في كون التسمية للثمن مسقطة عن المأمور النداء والشهرة والمبالغة في الاجتهاد. على قولين بالإمضاء وعدمه لأن القصد عدم النقص عن الثمن وطلب الزيادة انظر ذلك فيه إن شئت.
الثالث: من غير النظر أيضاً أن يدفع الوكيل الدين ونحوه بغير إشهاد (خ) وضمن أن أقبض الدين ولم يشهد إلخ. وتقدم نحوه في الضامن والمقارض مثل الوكيل في ذلك، وسيأتي قول الناظم: ومن له وكالة معينة. إلخ.. ولا فرق في هذا بين المفوض وغيره، ويسوغ للموكل تضمينه وإن علم ببراءة الوكيل لأنه الذي أتلف عليه ماله حيث لم يشهد ما لم يدفعه العامل أو الوكيل بحضرة رب المال وإلاَّ فلا ضمان لأن التفريط حينئذ من ربه.
وَذَا لَهُ تَقْديمُ مَنْ يَرَاهُ ** بِمِثْلِهِ أَوْ بَعْضِ مَا اقْتَضَاهُ

(وذا) مبتدأ والإشارة للوكيل المفوض إليه (له) خبر عن قوله (تقديم) مبتدأ وسوغ الابتداء به العمل ويحتمل أن يكون فاعلاً بمحذوف أي: وذا يجوز له تقديم (من) موصول مضاف إليه من إضافة المصدر لمفعوله (يراه) صلة والرابط الضمير البارز ومفعوله الثاني محذوف وفاعله ضمير مستتر يعود على ذا (بمثله) يتعلق بتقديم وهو على حذف مضاف أي بمثل تقديمه، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره خبر الأول (أو بعض) معطوف على بمثل ولم يعد الخافض لعدم لزومه على حد قوله: واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام} (النساء: 1) وهو مذهب ابن مالك إذ قال: وليس عندي لازماً إلخ. (ما) موصول (اقتضاه) صلته، والمعنى أن المفوض إليه له أن يقدم بمثل تقديمه أو ببعض ما اقتضاه تقديمه من فصوله من يراه أهلاً لذلك. والحاصل، أن له أن يوكل وكيلاً مفوضاً إليه أو مخصوصاً ببعض الأمور لأنه قائم مقام موكله فما جاز لموكله يجوز له، وهذا هو الذي استظهره ابن رشد وفي ضيح أنه المعروف من المذهب، وقال ابن ناجي في كتاب الشهادات من المدونة: والعمل عندنا أن المفوض إليه لا يوكل إلا بالتنصيص عليه، وكذا العمل عندنا أنه لا يحل عنه العصمة ولا يبيع عنه الربع للعرف وإلا فالأصل دخوله. اهـ. ونحوه ذكره في إرخاء الستور منها. وأفهم قوله للعرف أن هذه الأمور إنما خرجت عندهم لأجل العرف وأن المدار في ذلك عليه، فإن جرى عرف بلد بمثل ذلك عملوا عليه وإلاَّ فلا. وحينئذ فقول (خ) وتخصص وتقيد بالعرف شامل للمفوض والمخصوص خلافاً لبعض شراحه لأن ما خرج عن العرف لم يقصد إليه، ولهذا خرج بيع دار السكنى وبيع العبد القائم بأموره كما مر وقد قال ابن عرفة ما نصه: والحاصل أن بين متعلق التوكيل خصوصاً أو عموماً لزم قصره عليه وإعماله فيه إلا ما خص ولو بعادة. اهـ. فهو صريح في تخصيص التفويض بالعرف والله أعلم.
وَمَنْ عَلَى مُخَصَّصٍ وُكِّلَ لَمْ ** يُقَدِّمْ إلا إنْ بِهِ الْجَعْلُ حَكَمْ

(ومن) اسم شرط أو موصول (على مخصص) بفتح الصاد صفة لمحذوف يتعلق بقوله: (وكل) بالبناء للمفعول فعل الشرط أو صلة (لم يقدم) بكسر الدال المشددة جواب الشرط أو خبر عن الموصول (إلا) استثناء (أن) شرط (به) يتعلق بحكم آخر البيت وضميره للتقديم المفهوم من قوله لم يقدم (الجعل) بفتح الجيم فاعل بفعل محذوف يفسره (حكم) وهو إما بمعنى الفاعل أي الجاعل أو على حذف مضاف أي ذو الجعل، والمراد به الموكل على كل تقدير، ومعناه أن من وكل على شيء مخصوص كبيع سلع مثلاً لم يجز له أن يقدم أي يوكل غيره على فعله إلا إذا حكم الجاعل له بالتقديم أي جعل له موكله ذلك بنص أو قرينة كأن يكثر ما وكل عليه بحيث لا يمكنه الاستقلال به وحده، فيوكل حينئذ من يعينه فقط، وإن لم ينص له عليه وكشريف قد وكِّل على بيع دواب مثلاً لا تليق به مباشرة بيعها وعلم الموكل بحاله أو كان مشهوراً عند الناس بأنه لا يلي ذلك بنفسه، فله أن يوكل في الحالتين ويحمل الموكل في الثانية على أنه علم بحاله ولا يصدق في أنه لم يعلم فإن لم يعلم الموكل ولا اشتهر الوكيل بذلك فليس له التوكيل، وهو ضامن حيث لم يعلم الوكيل الثاني بتعديه في توكيله وإلاَّ فالضمان عليه كما في (خ) وإلى هذا أشار بقوله عاطفاً على الممنوع وتوكيله إلا أن يليق به أو يكثر فلا ينعزل الثاني بعزل الأول إلخ.
تنبيهات:
الأول: الوصي مثل المفوض ومقدم القاضي مثل المخصوص قاله أبو الحسن. قالوا للوصي أن يوصي بلا خلاف ويوكل والوكيل المخصوص ومقدم القاضي ليس لهما أن يوكلا بلا خلاف، ونقل (ح) عنه في باب الحجر أن المشهور في مقدم القاضي عدم التوكيل وهو معنى قول اللامية:
بتوكيل ذي التقديم من عند حاكم ** بلا إذنه قولان بالمنع فاعملا

وتأمل قوله: بالمنع فاعملا مع ما في نوازل الرهن من المعيار عن الإمام السنوسي أن الذي به العمل وانعقدت عليه الوثائق جواز توكيله ونحوه في المتيطية عن بعض الموثقين.
الثاني: قال في المتيطية: وإذا وكلته وكالة على الخصام وجعلت له أن يوكل من يرى توكيله. قلت: وأذن له أن يوكل عنه من شاء بمثله أو بما شاء من فصوله وتكمل العقد. فإن قلت: وأذن له أن يوكل عنه من شاء ولم تزد بمثله أو بما شاء منه لم يكن للوكيل الثاني أن يخاصم عن الموكل الأول حتى يجعل له من الإقرار والإنكار مثل ما جعله للأول، وقال بعد ذلك: وإن وكلته وكالة مفوضة جامعة لفصوله وجعلت للوكيل أن يوكل من شاء بما شاء من فصوله فلابد أن يقول الموثق: والتزم الموكل لوكيل وكيله مثل ما التزم لوكيله وإلا لم يكن للثاني أن يوكل غيره اه فانظره.
الثالث: إذا جاز للوكيل أن يوكل بما قبضه الثاني من المال يلزمه دفعه لمن أراد قبضه منه من موكله أو رب المال لأنه يبرأ بالدفع لكل منهما، وإن باع كل منهما شيئاً واحداً فالعبرة بالأول كما قال (خ) وإن بعت وباع فالأول إلا لقبض إلخ. ولو جاء رجل بكتاب فيه الأمر بأن يدفع لحامله من دينه كذا فاعترف المدين أنه خط رب الدين لم يقض عليه بالدفع، وكذا إذا صدقه في أنه أمره أن يدفع إليه بخلاف ما لو أتاه بوكالة فأقر له بصحتها وأبى من الدفع فإنه يقضي عليه، فإن أنكر الموكل الوكالة بعد ذلك غرم الحق ثانياً لأنه إنما قضى عليه بإقراره كما في البرزلي وما ذكره من أنه إذا أقر له بالوكالة يقضي عليه نحوه في الباب السبعين من التبصرة وذكره في الفصل السادس في حكم الوكالة منها أيضاً، وهو مخالف لما ذكره في الفصل الخامس من أن الخصم إذا صدق الوكيل لم يجبره الحاكم على الدفع على المشهور حتى يثبت عنده صحة الوكالة وهو الموافق لما في المدونة وتبصرة اللخمي كما في (ح) وفي البرزلي أيضاً: إذا قبض رجل دينك بغير إذنك وأخبرك القابض بذلك ورضيت لم ترجع على الغريم.
وَما مِنَ التَّوْكِيلِ لاثَّنَيْنِ فَمَا ** زَادَ مِنَ المَمْنُوعِ عِنْد العُلَمَا

(وما) مبتدأ موصول (من التوكيل) يتعلق بالاستقرار صلة (لاثنين) يتعلق بالتوكيل (فما) معطوف على اثنين (زاد) صلة ما ومتعلقه محذوف أي عليهما (من الممنوع) خبر المبتدأ (عند العلما) يتعلق بالاستقرار في الخبر وهذا في الخصومة قال المتيطي: ولا يجوز لرجل ولا لامرأة أن يوكل في الخصام أكثر من وكيل واحد يريد إلا برضا الخصم (خ): وواحد في حضومة الخ: وأما في غيرها من بيع أو شراء أو تقاضضٍونحو ذلك فجائز ولكل الاستبداد. (خ): ولأحد الوكلين الاستبداد إلا لشرط وإن بعت وباع فالأول إلا لقبض.
والنَّقْضُ لِلإِقْرَارِ والإِنْكَارِ مِنْ ** تَوْكِيلِ الاخْتِصامِ بِالرَّدِّ قمِنْ

(والنقص) مبتدأ (للإقرار) يتعلق به (والإنكار) معطوف عليه (من توكيل) يتعلق بالنقص أيضاً (الاختصام) مضاف إليه (بالرد) يتعلق بقوله (قمن) بفتح القاف وكسر الميم أي حقيق خبر المبتدأ، ومعناه أن من وكل على الخصام ولم يجعل له موكله في الوثيقة الإقرار والإنكار فإن التوكيل قمن بالرد حقيق به لما على المطلوب من الضرر في ذلك إذ قرار الوكيل حينئذ لا يلزم الموكل (خ): وليس له الإقرار إن لم يفوض أو يجعل له ولخصمه اضطراره إليه، وهذا ظاهر إذا امتنع من الحضور مع وكيله أيضاً، أما إذا قال لا أفوض ولا أجعل له الإقرار لئلا يرشيه الخصم ولكن أحضر مع الوكيل في المجلس أو قريباً منه لأقر بما يدعيه خصمي أو أنكره فإنه يجاب إلى ذلك كما في البيان، واقتصر عليه في الشامل فليس المراد أنها ناقصة مطلقاً كما هو ظاهر النظم، ولاسيما وقد أفتى ابن الشقاق بأنه لا يلزم بأن يجعل له الإقرار مخافة أن يرتشي الوكيل. نقله ابن رحال قال: وقد شاهدنا من ذلك من ارتشاء الوكلاء ما يعلمه الله. اهـ. ومحل كونها ناقصة أيضاً إذا كان الوكيل مالكاً أمره أما إن كان صبياً أو مولى عليه أو وصياً أو مقدم قاض وكل بإذنه أو نائب بيت المال فإن وكالة هؤلاء لا تكون ناقصة بنقص الإقرار منها بل إن جعلوا له الإقرار فأقر بشيء من معنى الخصومة فإنه لا يلزمهم إقراره كما في وكالات المعيار، وكذا الأب يوكل من يخاصم عن صغار ولده أو ناظر الأحباس يوكل من يخاصم عنها لأن أموال الأحباس كأموال الأيتام وإقرار الأب والوصي والناظر لا يجوز وهو في ذلك شاهد كما في البرزلي، وتقدم شيء من ذلك عند قوله: ومن أبى إقراراً أو إنكاراً إلخ. نعم إن وكل الوصي ونحوه فيما تولاه من المعاملات لمحجوره فإقرار الوكيل حينئذ لازم للوصي ويكلف الوصي بأن يجعل لوكيله الإقرار حينئذ كما لابن رشد وغيره وفهم من قوله: الاختصام إلخ. أنه إن كان مفوضاً إليه يلزم إقراره للموكل وإن لم يكن جعله له وظاهر النظم أنه لابد من جعل الإقرار والإنكار أو الحضور، ولو كان الوكيل مولى عليه أو صبياً وهو كذلك على طريقة ابن رشد كما مرّ لأنه قال يلزمه من فعل الوكيل السفيه ما يلزمه من الوكيل الرشيد.
تنبيه:
إذا وكلته في خصومة على حق فجحده المطلوب وحلفه الوكيل فليس لك أن تحلف المطلوب ثانياً كما في المتيطية وابن عرفة ونقله (ح) عند قوله أو يعين بنص أو قرينة إلخ. ويريد أن تحليف الوكيل لا يسقط بينة الموكل، وإنما يسقط إعادة اليمين لأن الوكيل قد لا يكون له علم ببينة الموكل، وقد قال (خ) فإن نفاها واستحلفه فلا بينة إلا لعذر كنسيان إلخ. وانظر لو كان الوكيل عالماً بها وحلفه على إسقاطها هل لا قيام للموكل بها لأن قول الوكيل قول موكله ويدل له ما في معاوضات المعيار عن سيدي مصباح في امرأة أنكر وكيلها أن تكون عقدت لابنها هبة في أملاكها، فلما ثبتت الهبة أظهر وكيلها عقد استرعاء مقدم التاريخ أنها غير ملتزمة لتلك الهبة إن صدرت منها أن إنكار الوكيل لعقد الهبة مسقط للقيام بالاسترعاء. اهـ. أوله القيام لأنه لم يوكله على إسقاطها ويدل له ما يأتي في البيت بعده عن المدونة أن من وكل على الأخذ بالشفعة فأقر بإسقاطها وهو الذي في البرزلي عن أخوين ادعى أحدهما أن أباهما باع منه بعض الأملاك بكالئ أمه وأثبت ذلك وقال أخوه: إن ذلك كان توليجاً فقال: وكيل مدعي البيع من أين كان لأم موكله مالاً وما كانت أمه إلا أمة ثم تزوجها أبوهما فقال ابن حارث: أما الوثيقة فعقدها تام لإفساد فيه بوجه وإقرار الأب لابنه جائز، وأما ما تكلم به الوكيل فإنه لا يلزم موكله إذ كان منه على وجه الغلط والسقط وبعد هذا كله فإنه لم يوكله على تكذيبه، وإنما وكله على تصديقه وعلى طلب ما ادعى به قبل صاحبه، وإنما يجوز إقراره عليه فيما يحدث من الوجوه في الخصومة غير الوجه الذي هو الأصل فإن قوله: ومن أين كان لها مال ساقط عن موكله للوجهين المذكورين. وقال ابن زرب: عقد الوثيقة صحيح غير أن الوكيل قد لبس مقالته وصير الأمر عندي مشكلاً لا يظهر فيه شيء أتقلد الجواب به اه باختصار.
قلت: والظاهر في المسألة ما لابن حارث ومسألة المدونة شاهدة له، ويؤيده ما لابن الحاج فيمن وكل على الصلح والإقرار والإنكار فأقر المطلوب فثبت الحق فصالح الوكيل على ذلك بمثاقيل منجمة وأطلقه قال: لا يمضي الصلح ويجب على الوكيل غرم ما أقر به الغريم لتعديه بإطلاقه فتأمل ذلك. ولاسيما على ما يأتي في البيت بعده عن (ح) من أن من جعل لوكيله الإقرار إنما أراد الإقرار فيما هو من معنى الخصومة والله أعلم. وانظر ما مر عند قوله: ومنكر للخصم ما ادعاه إلخ.
وَحَيْثُ الإقْرَارُ أَتَى بِمَعْزِلِ ** عَنِ الخِصَامِ فَهْوَ غَيْرُ مُعْمَلِ

(وحيث) ظرف مضمن معنى الشرط خافض لشرطه منصوب بجوابه (الإقرار) مبتدأ وجملة (أتى) خبره والجملة من المبتدأ والخبر في محل جر بإضافة حيث (بمعزل) حال من فاعل أتى جر بالباء الزائدة (عن الخصام) يتعلق بمعزل (فهو) مبتدأ (غير) خبره (معمل) بفتح الميم اسم مفعول مضاف إليه والجملة جواب حيث والمعنى أن من وكل على الخصام في حق وجعل له فيه الإقرار والإنكار فأقر بشيء أجنبي من تلك الخصومة كإقراره أن موكله وهب داره لزيد أو لفلان عليه مائة ونحو ذلك فإقراره بذلك غير معمول به على الأصح عند ابن سهل وغيره خلافاً لفقهاء طليطلة حيث قالوا: يلزمه إقراره وإن لم يكن من معنى الخصومة، واستدل ابن سهل على تصحيحه بقولها: ومن وكل على الأخذ بالشفعة فأقر أن موكله قد أسقطها فهو شاهد لا مقر انظر نصها في (ح) قال ابن عرفة مضعفاً لاستدلاله بمسألة الشفعة ما نصه: لا يلزم من لغو إقرار الوكيل على الشفعة لغو إقرار من جعل له الإقرار لعدم صدق الأخذ بالشفعة على إقراره بإسقاطها وصدق مطلق الإقرار على الإقرار بالهبة. اهـ. قال (خ) عقبه ما قاله ابن عرفة من ضعف الاستدلال بمسألة الشفعة هو الظاهر، لكن يؤخذ ذلك من أن الوكالة تخصص وتفيد بالعرف لأن من وكل على الخصام وجعل لوكيله الإقرار والإنكار إنما أراد الإقرار فيما هو من معنى الخصومة التي وكل فيها. اهـ.
قلت: قد يرد تضعيف ابن عرفة للاستدلال بمسألة الشفعة بأن مطلق الإقرار الواقع أثر الخصومة إنما يرجع للوجوه الراجعة لها كالتفويض الواقع أثر المقيد على حسب ما مر عند قوله: وحيثما التفويض بالإطلاق إلخ. ويدل له قول ابن حارث المار إنما يجوز إقراره فيما يحدث من الوجوه في الخصومة غير الوجه الذي هو الأصل إلخ. إذ لا شك أن المقر بإسقاط الشفعة قد ذكر على أصل ما وكل فيه بالإبطال كما أنه في مسألة التنبيه المذكورة في البيت قبله قد ذكر على بينات أصل الحق الذي وكل على طلبه بالإسقاط والتكذيب مع أن الموكل لا نظر له في ذلك، فلو صح الإقرار بالهبة الخارج عن الخصومة كما يقتضيه بحث ابن عرفة لصح الإسقاط الخارج عن الأخذ بالشفعة، ومفهوم قول الناظم بمعزل عن الخصام أنه إذا لم يكن بمعزل عنه لصح الإقرار ولزم وهو كذلك على المعروف إذ هو فائدة رد الوكالة الناقصة عن الإقرار والإنكار كما مرّ في البيت قبله. قال ابن عات عن الكافي الذي به العمل أنه إذا جعل له الإقرار لزمه ما أقر به عند القاضي، وزعم ابن خويز منداد أن تحصيل مذهب مالك أنه لا يلزمه إقراره إذا لم يكن مفوضاً إليه قال: واتفق الفقهاء فيمن قال ما أقر به فلان علي فهو لازم لي أنه لا يلزمه. اهـ. ابن عرفة: فظاهر ابن عبد السلام أن قول ابن خويز منداد اتفق الفقهاء إلخ. خلاف المعروف من المذهب والأظهر أنه ليس بخلاف لأن مسألة المذهب نص فيها على توكيله على الإقرار عليه، ومسألة ابن خويز منداد إنما صدر منه أن ما أقر به فلان فهو لازم له فصار ذلك كقوله ما شهد به فلان علي فهو حق وهذا لا يلزمه ما شهد به. اهـ.
قلت: وحاصل فرقه أن مسألة المذهب أذن له في الإقرار عنه بخلاف مسألة ابن خويز منداد فإنها محتملة للإذن وعدمه لأن ما في قوله: ما أقر به فلان الخ شرطية بدليل دخول الفاء في جوابها فصارت كقوله: ما شهد به فلان إلخ. ويمكن أن يقرر الناظم بما يشمل مسألة ابن خويز منداد ومسألة الهبة ونحوها مما مر لأن الكل بمعزل عن الخصام والله أعلم.
تنبيه:
قوله في المدونة فهو شاهد أي يحلف معه المشتري ويستحق، ومحله إذا قال: إن موكله أسقطها بعد التوكيل والموكل حاضر في البلد فإن كان غائباً غيبة يتهم على الانتفاع بالمال أو أقر أنه أسقطها قبل توكيله فإن شهادته ساقطة للتهمة في الأولى ولإقراره بأنه إنما توكل في باطل في الثانية قاله ابن فرحون في فصل التوكيل، وفي الباب الثاني والعشرين من تبصرته م نصه: وفي الطرر إذا قال الوكيل: قبض موكلي المال أي الذي وكلني على قبضه فإن قال قبضه بعد الوكالة لزم الإقرار، وإن قال قبضه قبل الوكالة فلا عبرة بإقراره ولا شهادته لأنه إنما توكل في باطل وانفسخت وكالته. وانظره مع ما في (ح) عن أشهب ومع ما في أوائل وكالات المعيار في وكيل رب الحق يقر أن الضامن للمال إنما كان ضمانه له بجعل وتأمل قول اللامية:
فما بعد توكيل فيلزمه وما ** قبيل وما نافى خصاماً نعم ولا

وَمَنْ عَلَى خُصُومَةٍ مُعَيَّنَهْ ** تَوْكيلُهُ فالطُّولُ لَنْ يُوَهِّنَهْ

(ومن) اسم موصول مبتدأ (على خصومة) صلته (معينه) بفتح الياء صفة لخصومة (توكيله) فاعل بالمجرور ويجوز أن يكون توكيله مبتدأ خبره في المجرور قبله والجملة صلة من (فالطول) مبتدأ (لن يوهنه) بضم الياء وفتح الواو وكسر الهاء المشددة مضارع وهن المضعف وفاعله ضمير مستتر يعود على الطول وضميره البارز على التوكيل، والجملة خبر الطول وجملة الطول وخبره خبر من، ويجوز أن تكون من اسم شرط وتوكيله فاعل بفعل محذوف وجملة فالطول الخ جواب الشرط قاله اليزناسني، ومعناه أن من وكل على خصومة معينة كقبض إرث أو قبض دين أو على مخاصمة فلان فالطول فيما بين التوكيل والقيام به أو فيما بعد المناشبة وقبل التمام لا يضعف ذلك التوكيل ولا يبطله هذا ظاهره. البرزلي: إذا وكله على قضية معينة فلا تنقضي إلا بتمامها قاله بعض الموثقين. اهـ. ونقله (ح) وظاهره كالناظم أنه لا يسأل الموكل هل هو باق على وكالته، وأما إن كان غائباً فالوكيل على وكالته وفهم منه أن المعينة إذا انقضت ليس له أن يخاصم في غيرها إلا بوكالة مستأنفة قال في اختصار المتيطية وإن كانت الوكالة مقيدة بخصومة فلان أو في شيء بعينه فلابد من تجديد التوكيل لغير ذلك طال الأمر أم قصر. اهـ. فعلم منه أنه لا يحتاج للتجديد في ذلك المعين، وإنما يحتاج للتجديد في غيره على ما يأتي تفصيله، وأشار إلى مفهوم معينة وهو إذا وكله على خصومة مبهمة فقال:
وَإنْ يَكُنْ قُدِّم لِلْمُخاصَمَهْ ** وَتمَّ ما أرادَ مَعْ مَنْ خَاصَمَهْ

(وإن) شرط (يكن) فعله واسمه ضمير الوكيل (قدم) بالبناء للمفعول نائبه ضمير الوكيل أيضاً (للمخاصمة) يتعلق بقدم والجملة خبر يكن (وتم) ما مضى يتم (ما) موصول فاعله (أراد) صلته وفاعله ضمير الوكيل والرابط بينه وبين الموصول محذوف (مع) بسكون العين لغة في مع يتعلق بأراد (من) مضاف إليه (خاصمه) صلة من وضميره المستتر هو الرابط والبارز للوكيل، ويجوز العكس والجملة من تم وما بعده معطوفة على قدم وكذا جملة قوله.
ورامَ أنْ يُنْشئ أُخْرَىفَلَهُ ** ذَاكَ إذَا أطْلَقَ مَنْ وَكَّلْهُ

(ورام) وفاعله ضمير الوكيل أيضاً (أن ينشئ) في تأويل مصدر مفعوله (أخرى) مفعول بقوله ينشئ على حذف الموصوف أي خصومة أخرى (فله) خبر عن قوله (ذاك) والإشارة للإنشاء والجملة جواب الشرط (إذا) ظرف خافض لشرطه منصوب بجوابه (أطلق من) موصول فاعل أطلق (وكله) صلة من والرابط الضمير المستتر والبارز للوكيل والجملة في محل جر بإضافة إذا.
وَلَمْ يَجُز عَلَيْهِ نِصْفُ عَامِ ** مِنْ زَمَنِ التَّوْكِيلِ لِلْخِصَامِ

(ولم يجز عليه نصف) فاعل بيجز (عام) مضاف إليه (من زمن) يتعلق بيجز (التوكيل) مضاف إليه (للخصام) يتعلق بيجز أيضاً أي لم يجز من زمن التوكيل إلى وقت إرادة إنشاء الخصام نصف عام، ومعناه أنه إذا وكله على خصومة مبهمة أي لم يذكر فيها مخاصمة فلان أو في أمر كذ كما في النهاية، بل قال: وكلتك على المخاصمة عني من غير تعيين خصومة بعينها أو على مخاصمة خصمي كما في (ح) عن الذخيرة، ويظهر أنها على مخاصمة من كان كذلك فخاصم الوكيل بعض الناس وتمَّ خصامه ثم أراد أن ينشئ خصومة أخرى مع الأول أو مع غيره، فله ذلك بشرطين: أحدهما إذا أطلق الموكل في وكالته كما مرّ والثاني أن لا يجوز عليه نصف عام من الفراغ من الأولى لإنشاء الثانية ثم إن الصواب حذف الشرط الأول لأنه الموضوع فقوله: وإن يكن قدم للمخاصمة. أي: لمطلق المخاصمة لأنه قسيم قوله: ومن على خصومة معينة إلخ. والصواب أيضاً أن يقول: من زمن الفراغ للخصام كما قررنا قال في المتيطية: وإذا وكله عن الخصام فخاصم عنه وانقضت تلك الخصومة، فإن كانت الوكالة مطلقة وأراد أن يخاصم عنه بقرب انقضاء الأولى بالأيام أو اتصل بعض ذلك ببعض وتطاول سنين لم يحتج إلى تجديد، وإن كان بين المطلبين الأشهر يعني ستة أشهر فعليه التجديد، وكذا إن لم يخاصم عنه في أول التوكيل أو قربه حتى مضت الأشهر فيستحب التجديد ثم قال: وإن كانت مقيدة بمخاصمة فلان إلى آخر ما مرّ عنه قبل هذه الأبيات ثم قال: ولو قيد الوكالة بالدوام والاستمرار دامت أبداً ما لم يعزله اه باختصار. وقد قال في المقصد المحمود: وإن كانت الوكالة مبهمة فللوكيل أن يخاصم عنه في قضية أخرى بحدثان انقضاء الأولى وليس له ذلك في قضية مفسرة بمطالبة فلان ولا في المبهمة إذا طال الزمان نحو الستة أشهر، وأما إذا اتصل الخصام فله التكلم عنه، وإن طال الأمد فقوله: وأما إذا اتصل الخصام الخ هو عين قوله بحدثان انقضاء الأولى إلخ. إلا أنه هناك فصل بالأيام كما مرّ عن المتيطي، وهنا لم يفصل بشيء، ويحتمل أن يكون مراده بالاتصال إنشاب الخصومة وابتداؤها في المبهمة مع بعض الناس ثم أمسك ستة أشهر وقام لإتمامها مع ذلك البعض، ولكني لم أقف الآن على نص صريح فيه إلا ما يفهم من قول المتيطية المتقدم، وكذلك إن لم يخاصم عنه في أول التوكيل إلخ. وتأمله مع قول المجالس المكناسية الذي به العمل تجديد التوكيل بعد ستة أشهر. هذا إذا كانت فترة في خلل العمل، وأما إن اتصل خصامه فلا ينسخه الزمان. اهـ. وقوله: وليس له ذلك في قضية مفسرة إلخ. أي ليس له أن يحدث خصومة أخرى بعد الفراغ من الخصومة المعينة كما مرّ، ويفهم منه أن المعينة لا تبطل إلا بالفراغ منها، فهذا مع ما مر عن المتيطي والبرزلي هناك شاهد على قول الناظم؛ ومن على خصومة معينة الخ والله أعلم. والحاصل أنه إذا أسقط من الوثيقة الدوام والاستمرار ولم يتصل الخصام ولا كان بالحدثان ولم تكن الخصومة معينة، فلابد من التجديد على ما في النظم والمتيطية وغيرهما وإن وجد واحد مما مر فلا تجديد ولا فرق بين المفوض إليه وغيره كما في القوانين، وأفتى ابن مرزوق بقول سحنون إنها لا تحتاج إلى التجديد مطلقاً. وظاهر نقل ابن عرفة والمتيطية وصاحب اللامية أن خلاف سحنون جار سواء كانت الخصومة معينة أم لا. اتصل الخصام أم لا. إلا أنه يسأل الموكل إن كان حاضراً أهو على وكالته. وظاهر نقل ابن سهل أن سحنوناً إنما قال بعدم التجديد في المعينة لأنه قال: وسئل سحنون عمن وكل على مخاصمة رجل فلم يقم الوكيل إلا بعد سنين إلخ. ففرض السؤال في مخاصمة رجل، وظاهره أنه معين وعليه فقول سحنون ليس بمخالف للقول بالتجديد لاختلاف الموضوع وهو ظاهر النظم لأنه اقتصر في المعينة على عدم التجديد وفي غيرها على التجديد ولم يذكر في ذلك الخلاف الذي ذكروه، فلعله فهم أن المراد برجل في السؤال رجل معين كما هو الظاهر لا أن المراد به الجنس كما فهموه فجعلوه مقابلاً.
تنبيه:
تقدم عن النهاية أن المعينة هي التي قيدت بمخاصمة فلان أو كانت في شيء بعينه وأن المبهمة هي التي سقط منها ذلك، وذلك يقتضي أنه إذا قال: وكلته على قبض ديني أو إرثي ولم يعين ممن أنها من المعينة، وقولها في النكاح في توكيل الأب رجلاً على إنكاح ابنته ممن يراه من شاكلة لها وبما يرى من الصداق وأنه إن سقط منه دائمة مستمرة لم يعقد عليها بعد مضي ستة أشهر إلا بتوكيل ثان إلخ. يقتضي أن ذلك ليس من المعينة وإلاَّ لم يحتج إلى التجديد فتأمله، ويقتضي أيضاً أن التجديد بعد مضي ستة أشهر لا يختص بوكالة الخصام بل كذلك الوكالة على النكاح والبيع ونحوهما وهو كذلك كما في القوانين وغيرها وهو ظاهر قول ناظم العمل:
وبعد ستة من الشهور ** قد جددوا وكالة الأمور

وَمَوْتُ مَن وَكَّلَ أَوْ وكيِلِ ** يُبطِلُ مَا كانَ مِنَ التَّوْكِيلِ

(وموت) مبتدأ (من) موصول مضاف إليه (وكّل) بفتح الكاف مشددة مبني للفاعل صلة (أو وكيل) معطوف على الموصول (يبطل) بضم الياء وكسر الطاء مضارع أبطل وفاعله ضمير يعود على المبتدأ والجملة خبره (ما) مفعوله (كان) صلة ما وهي تامة بمعنى وجد (من التوكيل) بيان لما ومعناه أن موت الموكل أو الوكيل يبطل التوكيل الذي وجد من الموكل وعزل الموكل للوكيل كموته إن أشهد به وأعلنه عند الحاكم، ولم يفرط في إعلامه فإن اختل واحد من الثلاثة لم ينفعه عزله على القول بانعزاله بعزله وإن لم يعلم به، وأما على القول بأنه لا ينعزل إلا إن علم فلا ينعزل قبله وإن أشهد وأعلنه وهو معنى قول (خ) وفي عزله بعزله ولم يعلم خلاف إلخ. وظاهر النظم أنه يبطل بموت الوكيل ولو قال وارثه: أنا أقوم مقامه وكانت بأجرة وهو كذلك لأنها ليست بحق تورث ولأن الوكيل يستوفي منه المنفعة فتنفسخ الإجارة بموته، وظاهره أيضاً أن التوكيل يبطل بموت الموكل ولو كان الوكيل مفوضاً إليه وله وكيل آخر تحته أو وكيل خصومة فيبطل الجميع وهو كذلك لانتقال الحق للغير وهم الورثة فلا يمضي عليهم شيء من تصرفاته إلا أن يكون غير عالم بموته أو يشرف وكيل الخصومة على تمامها بحيث لو أراد عزله لم يكن له ذلك على ما يأتي في قوله: وما لمن حضر في الجدال إلخ. قاله في المدونة وما قررناه به من أن محل البطلان بموت الموكل إن علم الوكيل وإلا فلا هو أحد التأويلين وهو الراجح (خ): وانعزل بموت موكله إن علم وإلا فتأويلان ومحلهما إذا كان من باع منه الوكيل أو ابتاع حاضراً ببلد موته وإلا اتفق التأويلان على عدم البطلان قاله الزرقاني.
وَلَيْسَ مَنْ وَكَّلَهُ مُوَكّلُ ** بِمَوْتِ مِنَ وَكَّلْهُ يَنْعَزِلُ

(وليس) فعل ناقص (من) موصول وهي واقعة على الوكيل الثاني (وكله) صلتها والرابط الضمير البارز (موكل) بفتح الكاف فاعل وكله، والمراد به الوكيل الأول (بموت) يتعلق بينعزل آخر البيت (من) موصول مضاف إليه (وكله) صلته وجملة (ينعزل) ومتعلقه خبر ليس ومعناه أن وكيل الوكيل لا ينعزل بموت الوكيل الأول ولا بعزله لأنه لما كان توكيله بإذن من رب المال إما بالصراحة أو بالتفويض على ما للناظم في قوله: وذا له تقديم من يراه إلخ. على ما به العمل كما لابن ناجي أو بالعرف ككونه لا يليق به أو يكثر كما مرّ صار هذا الثاني وكيلاً له فلا ينعزل بموت الأول ولا بعزله بمثابة من وكل شخصين فلا ينعزل أحدهما بموت الآخر ولا بعزله. نعم للوكيل الأول عزل وكيله كما نص عليه غير واحد من شراح المتن.
والعَزْلُ لِلوَكِيلِ وَالْمُوَكَّلِ ** مِنْهُ يَحِقُّ بِوَفَاةِ الأوَّلِ

(والعزل) مبتدأ (للوكيل) يتعلق به (والموكّل) بفتح الكاف المشددة معطوف على المجرور (منه) يتعلق بالموكل (يحق) بفتح الياء وكسر الحاء بمعنى يجب خبر المبتدأ (بوفاة) يتعلق به (الأول) مضاف إليه، والمعنى أن الوكيل الأول والثاني وهو المراد بالموكل منه ينعزلان بموت الأول الذي هو رب المال، وهذا البيت مستغنى عنه بعموم قوله فيما مر: يبطل ما كان من التوكيل. وكما ينعزلان بموته ينعزلان أيضاً بفلسه لانتقال الحق للغرماء، فلا يلزمهم ما باع أو ابتاع إن علم على المشهور، وكذا ينعزلان بطول جنونه جداً بحيث يفتقر معه إلى نظر القاضي في ماله وكذا ينعزلان بردته ولو بعد أيام الاستنابة حيث لم يقتل لمانع كحمل ونحوه، وأما ردة الوكيل فلا توجب عزله وكذا الطلاق فإنه لا يوجب عزل الزوجة الوكيلة عن زوجها إلا أن يعلم أنه لا يرضى بتصرفها بعد انقطاع ما بينهما واستظهر ابن عرفة أن الزوج إذا كان وكيلاً لزوجته وجب انعزاله بطلاقها.
وَمَا لِمَنْ حَضَرَ فِي الْجِدَالِ ** ثَلاَثَ مَرَّاتٍ مِنَ انْعِزَالِ

(وما) نافية (لمن) موصولة واقعة على الوكيل تتعلق بالاستقرار في الخبر عن المبتدأ بعدها (حضر) صلتها (للجدال) يتعلق بالصلة (ثلاث) نائب عن المفعول المطلق (مرات) مضاف إليه والأصل حضوراً ثلاث مرات فحذف المصدر وناب عنه عدده كقوله تعالى: {فاجلدوهم ثمانين جلدة} (النور: 4) أي جلداً ثمانين (من) زائدة (انعزال) مبتدأ خبره في المجرور المتقدم.
إلاَّ لِعُذْرِ مَرَضٍ أَوْ لِسَفَرْ ** ومِثْلُه مُوَكَّلٌ ذَاكَ حَضَرْ

(إلا) استثناء (لعذر) يتعلق بالاستقرار في الخبر المتقدم على أنه بدل من مقدر، والعامل في البدل هو العامل في المبدل منه أي: وما انعزال ثابت للحاضر للجدال لوجه من الوجوه إلا لعذر (مرض) مضاف إليه (أو لسفر) معطوف على مرض واللام زائدة، ويحتمل أن يعطف على لعذر فليست زائدة ومعناه أنه لا انعزال للوكيل الذي حضر للجدال أي قاعد خصمه ثلاث مرات ولو في يوم واحد سواء عزله الموكل أو عزل هو نفسه لتعلق حق الخصم بخصومته إلا لعذر من مرض ظاهر أو سفر، وعليه في السفر اليمين أنه ما استعمله ليوكل، وكذا عليه أن يحلف في المرض الخفي فإن نكل لم يجز له العزل، ولعل الوكيل إنما وجبت عليه اليمين ليسقط حق الخصم الذي يتعلق بعينه لا لينتفع الموكل إذ لا يحلف الإنسان لينتفع غيره، ومثل المرض ظهور تفريطه من قلة قيامه بأمر الخصام أو يظهر ميله للخصم أو مسامحته في الحق فله عزله حينئذ ويوكل غيره أو يخاصم بنفسه قاله اللخمي وغيره. وحكى بعضهم عليه الاتفاق ولو كانت الوكالة بأجرة فظهر غشه ونحو ذلك مما مرّ كان عيباً وله أن يفسخ الوكالة وقولهم: يحلف في المرض الخفي كما في (ز) يقتضي أنه يحلف في هذه الأمور وإن ادعاها ولم تظهر، وفي اختصار المتيطية ما يقتضي أنه لابد من إثبات ذلك لأنه قال: فإن ظهر من الوكيل تفريط أو ميل مع خصمه أو غش ليبطل بذلك حق موكله أو مرض فللموكل عزله إذا ثبت ذلك. اهـ. وكذا لا سبيل للعزل إذا تعلق للوكيل حق بالوكالة كأجرة ونحوها أو كان الحق لأجنبي، وقد ذكر في اللامية جملة من ذلك فانظرها إن شئت. (ومثله) خبر عن قوله (موكل) بكسر الكاف المشددة وسوغ الابتداء به وصفه بالجملة وهي قوله: (ذاك) مفعول بقوله: (حضر) والمعنى أن الموكل إذا جادل خصمه ثلاث مرات فليس له أن يتخلى عن الخصام إلا لعذر من مرض أو سفر، ومن ذلك أن يشتمه خصمه فيحلف أن لا يخاصمه بنفسه كما في التبصرة. قال ابن الفخار: فإن حلف أن لا يخاصمه دون عذر يوجب اليمين لم يكن له أن يوكل إلا برضا خصمه أو لعذر من سفر ونحوه. ومفهوم ثلاث مرات أنه إن جادله أقل منها ولم يتجه الحكم فله عزله وهو كذلك إن شهد به وأعلنه ولم يفرط في إعلامه بأن ترك إعلامه لبعده كما في (ح) وهذا على أحد قولين. تقدما عند قوله: وموت من وكل أو وكيل إلخ. وقولي ولم يتجه الحكم الخ احترازاً مما إذا اتجه فلا عزل، ولو قال حينئذ: إن وكيله جهل ما يخاصم به وإن حجته غير ما احتج به عنه ولم يعلم بما خاصم به عنه أو كان غائباً لم يقبل منه ذلك ولا يكون عذراً في عزله ولا دفع الحكم عنه إلا لوجه يدل على صدقه في ذلك، وكذا لو خاصم الموكل بنفسه وزعم أنه غلط أو بقيت له حجة كما في البرزلي والشامل.
ومَنْ لهُ مُوَكِّلٌ وعَزَلَهْ ** لَخِصْمِهِ إنْ شَاءَ أنْ يُوَكِّلَهْ

(ومن) مبتدأ موصول (له) خبر عن قوله (موكل) بفتح الكاف المشددة والجملة صلة وجملة قوله: (عزله) حالية مقدرة معها قد (لخصمه) خبر مقدم (إن شاء) شرط جوابه محذوف للدلالة عليه (أن يوكله) في تأويل مصدر مبتدأ مؤخر والجملة خبر المبتدأ الأول والرابط الضمير في لخصمه، والمعنى أن من كان له وكيل في خصومة وقد عزله حيث يسوغ له عزله أو يرضي خصمه فإن لخصمه أن يوكل ذلك الوكيل في تلك الخصومة إن شاء أو في غيرها ولا حجة للأول في أنه اطلع عليه عوراته ووجوه خصوماته قاله في الاستغناء؛ واقتصر عليه ابن سلمون وابن فرحون في تبصرته، وله أي لابن فرحون في شرح ابن الحاجب ينبغي أن لا يمكن من توكيله لأنه صار كعدوه اه نقله (ح).
وكُلُّ مَنْ عَلَى مَبِيعٍ وُكِّلاَ ** كانَ لَهُ القَبْضُ إذَا مَا أُغْفِلاَ

(وكل) مبتدأ (من) موصول مضاف إليه واقع على الوكيل (على مبيع) يتعلق بقوله (وكلا) بالبناء للمفعول، والجملة صلة (كان) فعل ناقص (له) خبرها واللام بمعنى على (القبض) اسمها (إذا) ظرف مضمن معنى الشرط خافض لشرطه منصوب بجوابه (ما) زائدة (أغفلا) بالبناء للمفعول ونائبه ضمير القبض، والجواب محذوف للدلالة عليه، ومعناه أن من وكل على بيع مبيع فباعه فإن عليه أن يقبض ثمنه إذا أغفل الموكل قبض الثمن أي سكت عنه لأنه كما عليه تسليم المبيع عليه قبض ثمنه، وإن وكل على الشراء فعليه قبض السلعة أيضاً فإن لم يفعل حتى تعذر القبض ضمن فيهما وهذا ما لم يبعه لأجل بنص من الموكل وإلاَّ فلا يقبضه إلا بتوكيل مستأنف (خ): وتخصص وتقيد بالعرف فلا يعده إلا على بيع فله طلب الثمن وقبضه أو اشتراه فله قبض المبيع ورد المعيب إن لم يعينه موكله إلخ. ومفهوم أغفلا أنه إذا نص له على القبض أو على عمله فإن يعمل على ذلك فيقبضه في الأول دون الثاني فإن تعدى وقبضه في الثاني ضمن ولا ضمان على المشتري إن لم يعلم بالنهي، وكان العرف دفع الثمن للوكيل فيما يظهر، وظاهر النظم أن عليه القبض جرى عرف به أو بعدمه أو لا عرف أصلاً وهو كذلك في الطرفين دون الواسطة فإنه جرى بعدمه كبيع الدور والعقار فلا قبض عليه كما لأبي عمران. ولا يبرأ المشتري بالدفع إليه، ويدل عليه الاستثناء في كلام (خ)، إذ ما بعد الاستثناء هو ما إذا لم يكن عرف أصلاً، وكذا يدل عليه قول الشامل وله أي الوكيل قبض ثمن ما وكل في بيعه إلا لعادة أو بعدم قبضه ونحوه لابن فرحون في تبصرته، وما مر من أن وكيل الشراء عليه قبض السلعة محله إذا لم يصرح الوكيل للبائع بأن نقد الثمن على موكله، وإلاَّ فلا. لأنه حينئذ لا يجب عليه دفع الثمن فلا يجب عليه قبض المثمن كما في ابن عرفة. ومفهوم قوله على مبيع أن من وكل على النكاح ليس عليه قبض الصداق لأنه لا يسلم المبيع أي البضع ولا يبرأ الزوج بالدفع إليه وهو كذلك كما يأتي إن شاء الله.
تنبيه:
إذا سلم الوكيل السلعة المبيعة أو دفع الثمن في الشراء ولم يشهد، فأنكر البائع أو المشتري ضمن لتفريطه بعدم الإشهاد، وسواء كان مفوضاً إليه أم لا جرى عرف بترك الإشهاد أم لا، على المشهور. وتقدم شيء من ذلك عند قوله: وليس يمضي غير ما فيه نظر إلخ.
وغَائِبٌ يَنُوبُ فِي القِيَام ** عَنْهُ أبٌ وابْنٌ وفِي الخِصَامِ

(وغائب) مبتدأ وسوغه العموم أو كونه صفة لمحذوف وجملة: (ينوب في القيام عنه أب وابن) خبره (وفي الخصام) معطوف على في القيام والمجرورات الثلاث تتعلق بينوب وأب وابن فاعل به، ومعناه أن الشخص الغائب إذا تسور عليه في عقاره أو أحدث عليه ضرر في ملكه أو أخذ شيء من ماله كدابة ونحوها فإنه يجوز لأبيه أو ابنه أن يقوم عنه فيثبت حقه بالبينة ويخاصم عنه فيأخذ النسخ ويعطيها بغير وكالة، فإن آل الأمر إلى عجز المطلوب أشهد القاضي بما ثبت عنده ولا ينزع الشيء من يده، وإن آل الأمر إلى عجز القائم فلا تنقطع حجة الغائب كما مرّ في باب القضاء. قال في المعين: وإذا قلنا بجواز المخاصمة عن الغائب فإلى أين تنتهي؟ قال بعض الموثقين: يسمع القاضي البينة ويشهد على ثبوتها عنده، ولا يخرج المدعى فيه من يد المطلوب إن ادعاه لنفسه ولا يقطع ما أحدث عليه من الضرر والعيب إذ لعل المطلوب إذا قدم لم يمنعه إلا أنه إذا أقر المطلوب بما في يده للغائب أخرجه من يده وأوقفه حيث يراه. اهـ. ونحوه في المتيطية وغيرها، وظاهر النظم أنه لا فرق بين قرب الغيبة وبعدها وهو أحد قولين، وظاهره أيضاً أنه لا فرق بين الديون وغيرها، وهو كذلك كما في نوازل المديان ونوازل الشهادات من البرزلي وابن الحاج، ويبقى الدين بذمة الغريم إلا أن يخشى فقره أو سفره وظاهره أيضاً أن غير الأب والابن لا يمكن ولو كان قريب القرابة كالأخ ونحوه، وهو الذي في (ق) وأحد الأقوال الخمسة التي في (ح) وغيره عن ابن رشد عند قول (خ) وفي تمكين الدعوى لغائب بلا وكالة تردد إلخ. والذي في نقل ضيح أنه على هذا القول يمكن الابن والأب وقريب القرابة، ولعل المراد بقريب القرابة الأخ كما صرح به في الكراس الرابع من معاوضات المعيار عن اليزناسني قائلاً الذي مضى به عمل الموثقين أنه لا يباح ذلك إلا للوالد أو الولدة أو الأخ من جميع الجهات ثم قال: وقد ذكر ابن رشد في ذلك خمسة أقوال يمكن الأب والابن يمكن كل قائم وإن أجنبياً قاله ابن القاسم، وسحنون يمكن الولي من إقامة البينة لا من الخصومة لا يمكن من واحد منهما يمكن كل قائم فيما يخشى فواته كالعبد والدابة والثوب لا فيما لا يفوت كالدين وغيره إلا الأب والابن قال: وما ذكرناه عن الموثقين هو الذي يجب به العمل إن شاء الله. اهـ. وبأدنى تأمل تعلم أن القولين الأولين والخامس متفقة على تمكين الأب والابن وعلى هذه الفتوى عول ناظم العمل حيث قال:
وفي عقار غائب يحتسب ** قيامه أخ أو ابن أو أب

والظاهر أن المراد بالأب والابن في النظم الجنس فيشمل الجد وإن علا والابن وإن سفل.
وَجَائزٌ إثْباتُ غَيْرِ الأجَنَبِي ** لِمَنْ يَغِيبُ واخْتِصَامُهُ أُبي

(وجائز) خبر مقدم (إثبات) مبتدأ (غير الأجنبي) مجروران بالإضافة (لمن) يتعلق بإثبات (يغيب) صلة من وهو بمعنى غاب فأوقع المضارع موقع الماضي (واختصامه) مبتدأ وجملة (أبي) مبني للمفعول بمعنى منع خبره ومعناه أن غير الأب والابن من باقي القرابة يمكن من إثبات حقوق الغائب عند القاضي خشية ضياعها بموت الشهود أو طرو فسق ولا يمكن من الخصومة بأخذ النسخ وإعطائها، وكأن الناظم رحمه الله ترجح عنده من تلك الأقوال الخمسة الأول والثالث فاقتصر في الابن والأب على القيام والخصام وفي غيرهما من باقي القرابة على القيام فقط ولم يذكر لذلك مقابلاً ووجه ترجيح الأول ظاهر مما مرّ ووجه ترجيح الثالث أنه لا مضرة على المطلوب ولا على الغائب في إثبات ذلك بل ذلك من حفظ مال الغير الذي يجب على الناس فكيف بالقريب، ولاسيما والقول الثاني يوافق هذا الثالث في تمكين القريب من القيام كما هو واضح، وإنما خالفه فيما زاد على ذلك فهو قوي من جهة العزو وكثرة القائل، وبهذا تعلم أن الناظم لم يخرج عن الأقوال الخمسة كما قيل ولا أنه جعل الثالث من تمام الأول بل هو تابع في ذلك لابن رشد كما يقتضيه سياق ابن سلمون. ونصه الصواب أن الأب والابن يمكنان من الإثبات والخصومة عن الغائب ومن عداهما من القرابة لا يمكن من شيء لا من الإثبات ولا من الخصومة، وظاهر الروايات أن الأجنبي لا يمكن من شيء والله أعلم.
تنبيهات:
الأول: الصبي كالغائب فيقوم عنه أخوه كالقول الأول وتجري فيه الأقوال الباقية وإذا قلنا بجواز القيام والخصام للابن والأب أو القيام فقط لغيرهما من القرابة أو القيام والخصام مطلقاً على القول به فقال ابن الحاج: ليس للقائم أن يوكل وإنما يتكلم بنفسه أو يترك قال: ويحتمل جواز ذلك عند العذر.
الثاني: ذكر البرزلي في آخر الشهادات من ديوانه أن العمل على عدم التوكيل ولو من قريب القرابة وعليه فعمل تونس مخالف لعمل فاس.
الثالث: محل الخلاف فيما لا حق فيه للمدعي ولا ضمان عليه فيه ولو وديعة فليس للمودع عنده أن يخاصم سارقها مثلاً، أما ما له فيه حق كالمستأجر والمستعير عارية لا يغاب عليها والمرتهن رهناً كذلك وللغرماء وزوجة الغائب وأقاربه الذين تلزمه نفقتهم أو عليه فيه ضمان كالمستعير عارية يغاب عليها والمرتهن رهناً كذلك، والغاصب إذا غصب منه شيء والحميل إذا أراد المدين السفر وخشي ضياع الحق ونحو ذلك فيمكن من الدعوى بلا وكالة اتفاقاً ويباع إن ثبت ملكه له في الدين والنفقة.